القاهرة، مصر، ١٣ مايو ٢٠٢٥: منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان في أبريل ٢٠٢٣، فرّ أكثر من مليون شخص إلى مصر المجاورة كملاذ آمن. توجد قوانين تحظر ختان الإناث في كلا البلدين.، ولكن على الرغم من ذلك، تُسجّل السودان ومصر أعلى معدلات ختان الإناث عالميًا. أصدرت مؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي ومنظمة إيكواليتي ناو Equality Now، دراسة جديدة، صدرت في الوقت المناسب، بعنوان “تشويه الأعضاء التناسلية للإناث لدى المهاجرين السودانيين في القاهرة الكبرى: التصورات والاتجاهات”، حيث تُقدم هذه الدراسة رؤى قيّمة حول كيفية تأثير الهجرة والتعرض لبيئات ثقافية وشبكات اجتماعية جديدة على ممارسات ختان الإناث بين الأسر السودانية في مصر. كشفت المقابلات المتعمقة عن مواقف إيجابية تجاه التخلي عن ختان الإناث. أعرب الأفراد الأصغر سنًا والمتعلمون والنساء اللاتي لديهن تجارب شخصية مع ضرر ختان الإناث عن أقوى معارضة لاستمرار هذه الممارسة، بينما أشار الرجال غالبًا إلى التأثير السلبي لختان الإناث على العلاقة الزوجية الحميمة كسبب رئيسي للتوقف عنها.
ومع ذلك، ينظر البعض إلى ختان الإناث كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية والمكانة الاجتماعية، وضرورة للقبول الاجتماعي. ورأى العديد من الذين أجريت معهم المقابلات أن الأسر التي تبنت ممارسة ختان الإناث في السودان ستواصلها على الأرجح في مصر.
وتوضح الدكتورة ديما دبوس من منظمة إيكواليتي ناو: “تكشف دراستنا عن طرق مُعقدة ومتنوعة قد يتبعها المهاجرون السودانيون في مصر لدعم أو تعديل أو رفض بعض الممارسات الثقافية المتجذرة مثل ختان الإناث. تجلب الهجرة تحديات وفرصًا للتخلي عن ممارسة ختان الإناث. إن فهم كيفية إدراك المجتمعات لوضعها الجديد واستجابتها له أمر بالغ الأهمية لتصميم وتنفيذ تدخلات فعالة ومراعية للثقافات والسياقات”.
ختان الإناث في السودان ومصر
من المتعارف عليه دوليًا، أن ختان الإناث هو انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، حيث ينطوي على إزالة جزئية أو كاملة للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى لأسباب غير طبية. ينتشر ختان الإناث في 94 دولة على الأقل، ويؤثر على أكثر من 230 مليون امرأة وفتاة، منهن 144 مليونًا في أفريقيا. وتعود جذوره إلى عدم المساواة بين الجنسين ومحاولات التحكم في أجساد النساء والفتيات وفي جنسانيتهن.
أظهرت بيانات المسح العنقودي المتعدد المؤشرات في السودان لعام 2014، وهو أحدث مسح متاح على المستوى الوطني، أن 86.6% من النساء في الفئة العمرية بين 15 و49 عامًا خضعن للختان، وتنخفض النسبة إلى 66.3% للفتيات من الولادة إلى سن 14 عامًا. ويُنظر إلى ختان الإناث كوسيلة للحفاظ على شرف الأسرة وتعزيز المُثل العُليا حول النقاء، والحشمة، والسيطرة على جنسانية الأنثى.
يُمارس ختان الإناث كطقسٍ للانتقال إلى مرحلة الأنوثة وشرطٍ أساسي للزواج، وتخشى العديد من العائلات من أن تواجه بناتهم غير المختونات صعوبةً في إيجاد أزواج، ويزداد الضغط بسبب الوصمة الاجتماعية المحيطة بالنساء غير المتزوجات والعار الذي يُلحق بالأقارب. كما تلعب المفاهيم الدينية الخاطئة دورًا هامًا، إذ يعتقد الكثيرون خطأً أن بعض أنواع ختان الإناث هي واجب ديني في الإسلام.
في مصر، خضعت حوالي 86% من النساء في الفئة العمرية بين 15 و49 عامًا لختان الإناث، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2022.
غالبًا ما تشعر النساء المصريات والسودانيات بضغوط للامتثال للممارسات التقليدية التي تتمسك بها أسرهن ومجتمعاتهن، وبدون دعم من أزواجهن أو شبكاتهن الاجتماعية، قد يصعب عليهن مقاومة تلك الممارسات. النساء ذوات المستوى التعليمي والثروة الأعلى هنّ أكثر قابلية لرفض ختان الإناث والامتناع عن ختان بناتهن.
يشهد السودان توجهًا نحو تطبيب ختان الإناث. ويتجلى هذا التحول بشكل أوضح في مصر، حيث تُقدر نسبة عمليات ختان الإناث التي يُجريها مقدمي الخدمات الصحية بنحو 74%، وهي من أعلى النسب عالميًا. يُنظر إلى تطبيب ختان الإناث، خطأً، على أنه بديل آمن، ولكنه لا يُلغي المخاطر الجسدية والنفسية. ويظل ختان الإناث انتهاكًا جوهريًا لحقوق الإنسان، حيث أن إجراء ختان الإناث بواسطة الكوادر الطبية لا يجعله آمنًا أو أخلاقيًا أو قانونيًا.
لدى مصر قوانين صارمة لمكافحة ختان الإناث، تشمل أحكامًا بالسجن لفترات طويلة على الآباء ومن يُجرون ختان الإناث، وعقوبات أشد على العاملين في المجال الطبي. كما أن مرافقة الضحية للختان تُعرّض المرافق/ة لعقوبات جنائية. ومع ذلك، نادرًا ما يُطبّق هذا القانون، إذ لا يزال الكثيرون يؤيدون ختان الإناث، ولا يرغبون في مقاضاة أفراد الأسرة، مما يعني أن الحالات لا يتم التبلّيغ عنها للسلطات في كثير من الأحيان.
الاستمرار أو التخلي عن ختان الإناث
تفاوت الوعي بالقوانين التي تحظر ختان الإناث في السودان ومصر تفاوتًا كبيرًا بين من أجريت معهم المقابلات في إطار الدراسة. وقد أدى افتراض وجود عقوبات صارمة في مصر ضد ختان الإناث إلى اتباع نهج حذر، مع خوف البعض من التبعات القانونية، بما في ذلك الترحيل. ورغم أن الأجيال الأكبر سنًا كانت أكثر وعيًا بشكل عام، إلا أنها لم تتمكن من تحديد العقوبات القانونية.
في السودان، غالبًا ما تكون النساء الأكبر سنًا صاحبات القرار الرئيسي بشأن ختان الإناث، ويملن إلى دعم استمرار هذه الممارسة. ومع ذلك، فإن بقاء بعض أفراد الأسرة الأكبر سنًا في السودان قد ساهم في تخفيف الضغط الأسري على الفتيات السودانيات في مصر للخضوع للختان.
وصف معظم المشاركين في الدراسة النظرة السلبية السائدة لدى المصريين تجاه المهاجرين السودانيين، مما قد يُضعف العلاقات فيما بينهم. ونتيجةً لذلك، رأى المشاركون في الدراسة أن العديد من العائلات السودانية أقل ميلًا لطلب معلومات حول ختان الإناث من مصادر مصرية، ولا يطلبون من الأطباء في مصر إجراءه، وهو تجنّبٌ أشار المشاركون في الدراسة إلى أنه قد يُسهم في التخلي عن هذه الممارسة.
ساهمت الضائقة الاقتصادية والحاجة إلى توفير الضروريات الأساسية كالسكن والغذاء في تأخير ختان الإناث أو إيقافه. توضح الدكتورة أمل فهمي، من مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي: “ما نشهده هو تحول هادئ ولكنه قوي نحو البُعد عن ختان الإناث. تقود النساء الطريق في حماية بناتهن، وغالبًا ما يفضلن إعطاء الأولوية للطعام والمأوى والتعليم على التقاليد الثقافية”.
ومع ذلك، قد تُسهم الحوافز المالية أيضًا في استمرار ختان الإناث. يرى البعض أنه وسيلة لتحسين فرص زواج الفتيات وتأمين مستقبلهن الاقتصادي، بينما تُشكل حاجة القابلات التقليديات لكسب الدخل خطرًا من حيث استمرار إجراء ختان الإناث.
أدت هجرة العائلات السودانية إلى مصر إلى نشوء شبكة اجتماعية مترابطة تُعرف باسم “السودان الصغير”. وبينما عارض معظم المشاركين في الاستطلاع استمرار ختان الإناث، أقرّ بعضهم بوجود عائلات لا تزال متمسكة بعادات مثل ختان الإناث. وكانت النساء الأكبر سنًا مشككات بشكل خاص في التأثير الرادع للقانون، معتقدات أن العائلات المُصممة على تلك الممارسة سوف تجد سبُل للالتفاف حول القيود سرًا.
ذُكرت المخاوف بشأن وصمة العار والشكوك المحيطة بالسلوك الجنسي للبنات كأسبابٍ للإبقاء على ختان الإناث. واعتبره البعض وسيلةً للسيطرة على السلوك الجنسي، خاصةً بعد انتقالهم إلى مصر، حيث خشوا أن تنخرط بناتهم في أنشطةٍ يُنظر إليها على أنها غير مقبولة إذا تُركن دون ختان.
التوصيات
تشمل التوصيات الرئيسية بهذه الدراسة تعزيز الوعي بين مجتمعات المهاجرين السودانيين بقوانين مصر المناهضة لختان الإناث وعواقبه القانونية والصحية السلبية. من الضروري تمكين الآباء، وخاصة الأمهات، من خلال معلومات دقيقة وأدوات عملية لمقاومة الضغوط المجتمعية والأسرية.
يُعد إشراك الشخصيات الموثوق فيها في مجتمع “السودان الصغير” – مثل كبار السن والجدات والقابلات ورجال الدين – أمرًا بالغ الأهمية لتغيير المواقف والآراء. يجب أن تناهض جهود التوعية المفاهيم الخاطئة بأن ختان الإناث واجب ديني، وينبغي أن تعزز حملات المناصرة الترويج لفهم منظور حقوق الإنسان الذي يتناول كيف تؤدي عدم المساواة بين الجنسين إلى إستدامة ممارسة ختان الإناث.
يتطلب القضاء على ختان الإناث بين أسر السودانيين المهاجرين نهجًا شاملًا يركز على المجتمع، ويعالج أسباب هذه الممارسة وديناميكياتها المتغيرة بعد الهجرة. يمكن أن يساعد الاستثمار في المزيد من الأبحاث – وخاصة الدراسات التتبعية والمجتمعية – في تتبع المواقف والممارسات المتغيرة بمرور الوقت، وتوجيه تدخلات أكثر استهدافًا وفعالية.
النهاية
ملاحظات للمحررين/ات
للاستفسارات الإعلامية، يُرجى التواصل مع تارا كاري، رئيسة قسم الإعلام العالمي في منظمة إيكواليتي ناو، عبر البريد الإلكتروني: Tcarey@equalitynow.org، هاتف: 7971556340(0)44+ (متاحة عبر واتساب وسيجنال).
حول تدوين لدراسات النوع الاجتماعي: تدوين لدراسات النوع الاجتماعي هي منظمة مصرية تأسست عام 2016 بهدف تعزيز المساواة بين الجنسين ومعالجة العنف القائم على النوع الاجتماعي من خلال إجراء البحوث، وحملات المناصرة وكسب التأييد، والتدخلات المجتمعية. يركز تدوين على تمكين النساء والفتيات، والتعزيز الشامل للمجتمعات المحلية، وزيادة الوعي بالقضايا الحرجة مثل العنف القائم على النوع الاجتماعي والممارسات الضارة مثل ختان الإناث. يعمل تدوين عن كثب مع المجتمعات المحلية، وأصحاب المصلحة، وصناع السياسات لتنفيذ برامج حساسة ثقافيًا، ومستندة لأدلة، وتدفع إلى التغيير الهادف. من خلال مبادرات بناء القدرات وإنتاج المعرفة والمشاركة الشعبية، يلعب تدوين دورًا محوريًا في تعزيز البحث المتعلق بالنوع الاجتماعي والدعوة إلى مجتمع أكثر أمانًا ومساواة، مع التزام قوي بتعزيز مكانة المرأة في المجتمع المصري والحد من العنف ضدها.
لمزيد من المعلومات عن تدوين لدراسات النوع الاجتماعي يرجى زيارة موقعنا Tadwein، وسوف تجدونا على فيسبوك Tadwein / تدوين، وإنستجرام tadwein_gender_studies، ولينكد إن Tadwein for Gender Studies.
حول منظمة إيكواليتي ناو: “إيكواليتي ناو” هي منظمة دولية لحقوق الإنسان مكرسة لحماية وتعزيز حقوق جميع النساء والفتيات حول العالم. ويتمحور عملها حول أربعة برامج رئيسية: تحقيق المساواة القانونية، وإنهاء العنف الجنسي، والقضاء على الممارسات الضارة، وإنهاء الاستغلال الجنسي، مع التركيز على التحديات الفريدة التي تواجه المراهقات.
تجمع منظمة إيكواليتي ناو بين النشاط المجتمعي والمناصرة القانونية على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية لتحقيق تغيير منهجي، وتتعاون مع الشركاء المحليين لضمان أن تسنّ الحكومات القوانين والسياسات التي تحمي حقوق النساء والفتيات وتنفيذها بفعالية.
لمزيد من المعلومات عن إيكواليتي ناو يرجى التوجه إلى www.equalitynow.org, Bluesky @equalitynow.bsky.social, فيسبوك @equalitynoworg, لينكد إن Equality Now.
لمزيد من المعلومات عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث في جميع أنحاء العالم، يرجى الاطلاع على تقرير إيكواليتي ناو لعام 2025، The Time Is Now: End Female Genital Mutilation/Cutting, An Urgent Need for a Global Response – Five Year Update
ولمساعدة الإعلاميين وغيرهم في إعداد التقارير عن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، يرجى الرجوع إلى دليل الصحفيين حول تشويه الأعضاء التناسلية للإناث الصادر عن منظمة إيكواليتي ناو، طبعتي أفريقيا والعالم.